كتب :أيمن قحف
في محاولة لاسترضاء مجلس الشعب الجديد وتجنب مواجهة معه،وربما لحجز مقعد له في الحكومة القادمة،خرج وزير الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد نضال الشعار عن "البروتوكول" و قدم –بصفته وزيراً في الحكومة- رؤية مغرقة في الذاتية أمام مجلس الشعب لا تنتمي إلى أدبيات التمثيل الأمين للسياسات الحكومية التي يمثل باسمها أمام المجلس،ولا تمثل بالتأكيد السياسات المعروفة للحكومة السورية!!
الشعار قدم عرضاً حول واقع سورية الاقتصادي في ظل الأزمة التي تتعرض لها والعقوبات الجائرة المفروضة عليها والإجراءات التي اتخذتها الوزارة لتجنب تبعات هذه العقوبات كارتفاع أسعار السلع والمواد وخطط الوزارة المستقبلية للخروج من الأزمة والنهوض بالاقتصاد السوري من جديد.
و حسب الخبر الرسمي الذي نشرته سانا فإن الوزير الشعار شرح " السياسة الاقتصادية التحررية "أو ما يعرف باقتصاد السوق الاجتماعي التي انتهجتها الحكومة السابقة والسياسات المالية والمصرفية التي كانت متبعة وأثرها على الواقع الاقتصادي والمعاشي للمواطن والصناعي والتاجر على حد سواء إضافة إلى الاتفاقيات التي كانت موقعة مع دول الجوار وانعكاساتها السلبية على الصناعات المحلية.
هنا يتجاهل الوزير الشعار حقائق هامة أولها أن من أقر اقتصاد السوق الاجتماعي وبالتالي السياسات المنبثقة عنه لم يكن الحكومة السابقة بل المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي والذي كلف الحكومة بالانتقال إلى هذا النمط الاقتصادي ،وبالتالي فإن الوزير الذي كان يتحدث أمام مجلس أغلبيته من "البعث" وهو نفسه أقر الخطة الخمسية العاشرة التي انتقلت بنا إلى عصر اقتصاد السوق، كان حرياً به أن ينقل القصة الحقيقية وليس تحميل الحكومة السابقة وحدها مسؤولية ما جرى!
وأكد الشعار أن "مثل تلك السياسات أحدثت مفارقات غريبة وتشويها غير مبرر للنمط الإنتاجي والاستهلاكي في سورية وإن أخطر انعكاس تمثل في تحول المصانع والمعامل في سورية إلى مستهلكة للمواد والبضائع المستوردة من الخارج وأصبح المواطن ينظر إلى تلك البضائع وتجاهل البضائع المصنعة محليا، مبينا أن تحرير التجارة والاستيراد والتصدير يجب أن يتم بعد تمكين الصناعة الوطنية وحمايتها من الاختراق والوصول إلى مستوى اقتصادي يحقق التنمية الجيدة المستدامة."!
وهنا نسأل الدكتور الشعار "العالم في الاقتصاد":ألم يسمع بمصطلح "المرحلة الانتقالية" وانعكاساتها السلبية على المواطن وهل يمكن تجنبها؟
هل الانتقال هو "كبسة زر" وينتهي الأمر أم أن له "آلام المخاض"؟
والسؤال الذي لم يجب عنه السيد الوزير:هل هناك بدائل أفضل عن اقتصاد السوق الاجتماعي؟هل لديه نموذج جديد؟
ماذا عن إعلان الحكومة-بلجنتها للاصلاح الاقتصادي- أن نهج اقتصاد السوق ما زال هو المعتمد وبالتالي هل كان عليه هنا أن يدافع عن موقف حكومته أم أن يتنصل منها؟
وزير الاقتصاد والتجارة اعتبر أن أول امتحان لصلابة وعمق الاقتصاد السوري ظهر خلال الأزمة التي تمر بها سورية والمتمثل بالارتفاع في المستوى العام للأسعار وتغير النمط الاستهلاكي للمواطن وانخفاض قدرته الشرائية خاصة بعد إلغاء اتفاقيات التجارة الحرة مع دول الجوار كتركيا التي وصلت قيمة مستوردات سورية منها إلى حوالي /8-9/ مليارات ليرة سورية وارتفاع الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع والمواد الخام القادمة من هناك الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وبالتالي ارتفاع المستوى العام للأسعار الذي أحس به المواطن بشكل مباشر.
وهنا اعذروني لأنني لم أفهم شيئاً من هذا الكلام –بسبب قلة خبرتي الاقتصادية-!!!
وبالنسبة للجانب النقدي من السياسة الاقتصادية في سورية رأى وزير الاقتصاد أن الاستقلالية المبكرة لمصرف سورية المركزي وابتعادها عن لواء الحكومة أضر كثيرا بسياسة سورية النقدية خاصة بعد السماح بتمويل مستوردات القطاع الخاص تحت ما يسمى بترميم مراكز القطع مشيرا إلى أن دور المصرف المركزي يجب أن ينصب على التحكم بالكتلة النقدية وأسعار الصرف وتحقيق الاستقرار في المستوى العام للأسعار وضبط أسعار الفائدة.
وهنا قد نتفق مع الدكتور الشعار لجهة أن الحاكم-والذي يعرف الجميع بخلافاتهما – ليس بالمستوى المطلوب من حيث الأداء ولم يكن يستحق الاستقلالية التي يتمتع بها،ولكن هذا لا يعني مطلقاً أن "الاستقلالية مبكرة"،فالاستقلالية تكون أو لا تكون،هي لا يجوز أن تخرج عن السياسات الكلية للدولة ولا عن وظائف المركزي لكنها يجب أن تتمتع بالاستقلالية في تنفيذ السياسات والمهام المطلوبة.
ويجتهد الوزير الشعار بالقول " أن الاقتصاد في سورية بحاجة إلى "إعادة هيكلية وبناء للعملية الاقتصادية بمجملها كالتوقف عن تمويل مستوردات القطاع الخاص بالقطع الأجنبي والاكتفاء بالمستوردات الدوائية والغذائية الأساسية" إضافة إلى حماية الصناعة الوطنية وإعادة فتح المعامل المغلقة وتقييد الاستيراد بشكل موجه ومخطط وتمكين اقتصاد سورية داخليا والتنسيق بين السياسات النقدية والاقتصادية وعدم وضعها بما يتناسب مع التجار والصناعيين."
وهذا كلام يحتمل الكثير من الجل ولا أحد يملك الحقيقة،لأن هناك من يقول العكس تماماً ويستطيع أن يثبت صحته بالاستناد إلى نهج اقتصاد السوق!
ويضيف الشعار أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية "أثرت سلبا على المستوى المعيشي للمواطن" حيث بدأت تؤثر في قطاعات هامة وحيوية، ويعود مجدداً لنقد الحكومات السابقة لتبرئة وزارته من أي تقصير:موضحا" أن السياسات التحررية التي انتهجتها الحكومات السابقة والتي تم من خلالها تحرير أغلب السلع والخدمات لم تمكن وزارة الاقتصاد من السيطرة على أغلبها مبينا أن الوزارة لديها /600/ مراقب تمويني وهم غير قادرين على ضبط الأسعار في كافة المناطق والمدن السورية،وباعتقادنا أنعدد المراقبين يكفي إذا غيرنا نمط الرقابة لتصبح بالاعتماد على المواطن والشكوى المباشرة التي يتم التعامل معها بجدية وسرعة وكفاءة بدلاً من "جولات"تنتهي بملء الجيوب!
وأشار وزير الاقتصاد إلى أن ارتفاع أسعار بعض السلع والمواد المصنعة محليا يعود إلى ارتفاع الضرائب والرسوم الجمركية وأجور النقل الشحن والتأمين وإعادة التأمين لدى التجار الذين لديهم سلة استهلاكية خاصة كتأمين مستلزمات الإنتاج وبالتالي سيلجؤون إلى ترميم التردي في قدرتهم الشرائية عن طريق رفع أسعار هذه السلع والمواد لافتا إلى أن المواطن العادي هو المتأثر بشكل فعلي بهذا الارتفاع كونه لا يمتلك القدرة على إجراء مثل هذا الترميم.
وبين وزير الاقتصاد أن العملية التصديرية ورغم الضغوطات الاقتصادية التي تتعرض لها سورية لا تزال جيدة حيث أكد عدد من الصناعيين في مدينة حلب أن عمليات التصدير لهذا العام أفضل من السنوات السابقة وأن أغلب البضائع والسلع متوفرة وبكميات كبيرة بغض النظر عن أسعارها.
وختم وزير الاقتصاد بدعوة إلى رفع الرواتب والأجور – وهي دعوة تزيد من شعبية أي مسؤول ولكن يفترض بالمسؤول أن يعرف مدى إمكانية تحقيق هذا الطلب كعضو في الحكومة قبل أن يحرجها وكأنها تملك المال وتتمنع عن زيادة الرواتب؟! يقول الشعار:.."لو قارنا مستوى أسعار السلع والخدمات في سورية مع دول الجوار فإنها لا تزال منخفضة بالرغم من الارتفاع الذي طرأ على مستواها العام مؤخرا "لكن المشكلة تكمن عند "مقارنتها بالرواتب والأجور وأصحاب الدخل المحدود" مؤكدا دور الدولة في رفع القدرة الشرائية للمواطن عن طريق زيادة الرواتب والأجور.