يبدو أن إستراتيجية صقور جورج دبليو بوش في نشر "الفوضى الخلاقة" لم تقتصر على السياسة ومحاولات تغيير الأنظمة، بل تعدت ذلك لتصل إلى الأسواق السورية!.
الفارق بين التأثير السياسي للفوضى الخلاقة والتأثير الاقتصادي هو أن القيادة السياسية في سورية تقف بحزم ضد المشروع الأمريكي بشكل واضح لا لبس فيه، وهي قيادة ذات رؤية موحدة وصارمة لا تقبل مواقفها التأويل أو التفسير، فهي قيادة "مقاومة"، أما في المجال الاقتصادي فيبدو أن هناك من يساعد في نشر "الفوضى الخلاقة" سواء في صفوف المسؤولين أو رجال المال والأعمال، عن قصد أو غير قصد، بسوء نية أو بحسن نية فالأمر سيان: هم شركاء ضد الوطن والمواطن!
مجموعة من الهواة والمرتزقة وربما الجزارين والمغامرين يتلاعبون بالليرة السورية صعوداً ونزولاً فيجني البعض أرباحاً طائلة دون تعب ويخسر المواطن البسيط والاقتصاد الوطني، وتصدر قرارات متضاربة ومتناقضة تتعلق بتمويل أو وقف تمويل المستوردات جزئياً أو كلياً فيستفيد قلة يحملون "المنشار" ويخسر الباقون!!.
صدر المرسوم 126 بتشكيل لجنة برئاسة وزير الاقتصاد والتجارة لتأمين متطلبات البلد الضرورية خلافاً للقوانين والأنظمة النافذة ..أرجو أن تجرى جردة حساب بمن وكيف تمت الاستفادة من هذا النص الذي يحمل النوايا الطيبة؟
تفتقت ذهنية الحكومة عن لجنة لوضع الأسعار التأشيرية للسلع الأساسية تكون ملزمة للأسواق، وهي بنية طيبة أيضاً، ولكن ما حصل أنها زادت فوضى الأسواق فسعرت مواداً بأغلى من واقعها فأضرت المواطن وخدمت التاجر، وبالمقابل خفضت أسعار سلع بطريقة غير منطقية ومرتجلة ستعود بالضرر على السوق والدولة والمواطن عاجلاً أم آجلاً على اعتبار أن "الزائد أخو الناقص"!!
قررنا الاستمرار باقتصاد السوق الاجتماعي لكننا شوهناه ومزقناه إرباً بحيث لم يبق منه سوى الاسم وعادت مركزية القرار لتتحكم بالسوق عبر متخذي قرارات مكتبيين يعتمدون موظفين إما مغفلين أو مرتبكين أو جهلة لسبر الأسواق ووضع تصورات لعلاج المشكلات التي لا يمكن سوى لاقتصاد السوق معالجتها.
خفضنا سعر المازوت فحرمنا المواطن من المادة وحرمنا الخزينة من عشرات المليارات لأننا لا نريد أن نجهد أنفسنا في البحث عن آلية محترمة وناجعة لتوزيع الدعم لمستحقيه!!
تقلبات سعر الصرف وما يحيط بها من تقلبات أسعار المواد والفجوة الزمنية بين الارتفاع والانخفاض فتحت الباب أمام "أثرياء" الأزمة ليفتكوا بالمواطن والاقتصاد الوطني برعاية "رسمية" من متخذي القرارات الذين عليهم أن يختاروا إما صفة "الشريك" في الجريمة أو "المغفل" الذي لا يستحق الكرسي التي يجلس عليها!!!
إنها "الفوضى الخلاقة" غزت أسواقنا فخدمت تأزيم الأوضاع وزادت الضغط على المواطن والاقتصاد الوطني، وبعض كبار المسؤولين الاقتصاديين والماليين والنقديين شركاء في النتائج سواء بطيب النية أو بسوئها وتحالف معهم بعض كبار رجال المال والأعمال والمصارف والمصرفيين والصرافين و حاملي الحقائب وماسكي "الصحون"!!
نقول للشعب السوري: أمامك اليوم فرصة صياغة مستقبلك بشكل أفضل عبر انتخاب مجلس شعب يمثلك بحرية ومسؤولية، لا تتبع "القوائم المعلبة" ولا رموز المال بل اتبع من تراه يشبهك ليصل إلى تحت قبة ينبثق عنها حكومة تشبه تطلعاتك وأمانيك، وتعود في كل لحظة لتحاسب أمام المجلس الذي تشكل من القوى الممثلة فيه ومنحها الثقة، ويستطيع أن يسحبها في أي وقت إذا وجدها مقصرة بحق الشعب والوطن ..
ليس بإمكان العقل الذي صنع الخطأ أن يعود ويصنع الصواب، وبالتالي لا يمكن لهذه الحكومة أو مجلس الشعب الحالي أن يخلقا واقعاً جديداً، وننتظر خلال الأسابيع القادمة أن نجد تحت قبة البرلمان وفي مكاتب الحكومة رجالاً "يشبهوننا"، نثق بهم من أجل مستقبل أولادنا ووطننا ونستطيع أن نعاقبهم بعدم تجديد الثقة في الانتخابات القادمة ..