الخميس 2012-03-22 03:29:02 |
رئيس التحرير |
جدوى "اقتصادية"؟! |
أيمن قحف
يتردد في أدبيات العمل الاقتصادي مصطلح "الجدوى الاقتصادية" ، وهو يعني ببساطة أن لكل مشروع يقام "جدوى اقتصادية " من إقامته تتعلق بوجود فائدة تبرر صرف رأس مال معين على هذا المشروع أو ذاك .. الحكومة تصر دائماً على وجود جدوى اقتصادية في كل المشروعات التي ستمنحها الموافقة ، سواء كانت مشاريع حكومية ستدرج في الخطة الخمسية أو السنوية وبالتالي في الموازنات الاستثمارية ، أو حتى للمشاريع الخاصة التي تقدم إلى هيئة الاستثمار أو وزارات الدولة المعنية .. إنه تدبير "علمي" ومؤشر وعي ونضج حكومي لعدم صرف المال العام أو الخاص في مشاريع غير مجدية.. بلا شك ، هناك مشاريع ذات طابع خدمي واجتماعي وتربوي وغيرها تكون جدواها الاقتصادية بما تعود بالنفع على المواطنين وهي جزء من دور الدولة التنموي والاجتماعي وهي ليست موضع حديثنا اليوم.. نحن اليوم في أزمة متعددة الجوانب ، ولعل أكثرها خطورة الجانب الاقتصادي الذي تشن فيه حرب حقيقية ظاهرها على "النظام" ولكن نتائجها جميعاً على المواطن السوري .. في هذا المناخ الضاغط تنهمر الأسئلة الحائرة من منطلق مفهوم "الجدوى الاقتصادية "؟: - هل هناك جدوى اقتصادية من وجود الحكومة واجتماعات مجلس الوزراء واللجنة الاقتصادية ولجنة العقود والفريق الاقتصادي ومجلس النقد والتسليف ؟! - هل هناك جدوى اقتصادية من توافد جيش من الموظفين على دوائر لا تنتج ولا تفعل شيئاً في العديد من مناطق سورية؟ - هل هناك جدوى اقتصادية من جهاز بيروقراطي في الجمارك والاقتصاد و حماية المستهلك ما دام المواطن عرضة للاستغلال والاحتكار والغلاء والغش والتدليس في متطلبات حياته اليومية؟ - هل هناك جدوى اقتصادية من وجود ستة آلاف عامل في مؤسسة الطيران التي يمكن تشغيلها بألف وتتحمل رواتب وتعويضات البقية واستمرار وجود عشرات الموفدين الذين يتقاضون ملايين الدولارات شهرياً في محطات تم توقيف التشغيل إليها؟ - هل هناك جدوى اقتصادية من وجود آلاف العاملين وصرف مليارات الليرات على الإعلام الرسمي من بث مكلف وصرف ورق وحبر وطاقة على صحف لا يقرأها أحد واستعاض الناس عنها بالمواقع الالكترونية لتلك الصحف ، وسائل إعلام لا تؤثر بأحد ، ندفع المليارات لنخرج في النهاية بهذا الأداء الهزيل الذي هو ثلاثة أرباع مشكلتنا؟ - هل هناك جدوى من استمرار سياسات الدعم الفاشلة التي لم تغير في حياة المواطن شيئاً وخاصة دعم المازوت الذي يستفيد منه المهربون ومواطنو الدول المجاورة ومنظومات الفساد؟ - هل هناك جدوى اقتصادية من وجود هيئة الاستثمار وكل الجهات "تؤاجر" بالاستثمار والمستثمرين؟ - هل هناك جدوى من وجود وزارة للسياحة وكل متطلبات نجاحها بيد وزارات المالية والادارة المحلية والاقتصاد والزراعة والري وهيئة التخطيط الاقليمي ؟ - هل هناك جدوى من وجود جيش من الدبلوماسيين في سفاراتنا يقبضون رواتب ضخمة ولم يفعلوا شيئاً للتأثير على أي دولة أو جهة أو حتى مواطن في الدول التي يعملون فيها؟ - وبالمقابل لا بد من السؤال: أليس من المجدي اقتصادياً حماية الطرقات العامة والمنشآت ولو تكلفنا بضع مئات من الملايين التي قد تحمي خسائر بالمليارات ولعل حركة الحياة والشاحنات تشكل رسالة تشجع الناس على العمل والتواصل؟ - أليس من المجدي اقتصادياً أن نشغل آلاف العمال في حماية خطوط النفط والسكك الحديدية من أهالي المناطق التي تمر بها ولو كلفوا الملايين فسيوفرون المليارات؟ إن المبلغ الإجمالي للموازنة العامة للدولة لعام 2012 يتوزع إلى اعتمادات جارية بمبلغ 550ر951 مليار ليرة منها مبلغ 386 مليار ليرة لقاء الدعم الاجتماعي واعتمادات استثمارية بمبلغ 375 مليار ليرة، وكما هو ملاحظ فإن الاعتمادات الاستثمارية – والتي خفضت أيضاً بنسبة 25 % بقرار وبعدها توقفت تقريباً – هي الأقل منذ سنوات عديدة ربما لأن المشروعات المعروضة "غير مجدية اقتصادياً" ..ولكن هل انفاق ما يقارب مليار ليرة في الموازنة الجارية – معظمها رواتب وأجور ودعم اجتماعي – يحقق الجدوى الاقتصادية ؟ أي بتعبير آخر :إلى أي حد ينتج من يتقاضى تلك الكتلة الهائلة بمقابل ما يتقاضونه؟ من حق الناس أن يحظوا بفرصة عمل ، ولكن من حقنا أن نتساءل عن الانتاجية التي يقدمها العامل السوري بمقابل ما يتقاضاه؟ وبالتالي يكون السؤال : أيهما أكثر جدوى منح تعويض بطالة أم الابتلاء بجيش من البطالة المقنعة التي لاتعمل ولا تترك أحداً يعمل؟ أخيراً : هل هناك حقاً جدوى مما نكتب ، أو من انفاق ملايين الليرات سنوياً على هذه الصحيفة التي لم تنجح بتغيير قناعة واحدة لدى حكوماتنا المتعاقبة؟
|
|