لن يكون الإصلاح الاقتصادي أو الاجتماعي أو أي إصلاح فنيا دون الإصلاح الإداري ، لأن الإصلاح الإداري هو المنطقة المتوسطة المحورية التي تمتد آثارها إلى كل أطراف الإصلاح والمعضلة أننا لسنا غافلين عن إدراك أهمية دور هذا الإصلاح ومنذ العام 2004 تم طرح مسألة الإصلاح الإداري وانشغلت وزاراتنا وهيئاتنا العامة وشركاتنا بما يسمى التوصيف الوظيفي ، وقد ملأت جداول التوصيف مكاتب المسؤولين والتي وصلت بدورها إلى الإعلام لكن شيئا من ذلك لم يتم تفعيله بالشكل اللازم والمطلوب.
عدو الفساد
الواضح أن الإصلاح الإداري الحقيقي كأنه العدو المباشر للفساد الذي ينمو ويعيش في البيئة الإدارية الضبابية التي تفتح المجال ا
للانتهازيين ، لتتبوء المواقع الإدارية الأمر الذي دفع الكفاءات العلمية والمهنية إلى التنحي جانبا أو الانحسار في الزوايا المهملة.
كما أن عدم وجود توزيع واضح لصلاحيات المواقع الإدارية العليا والمتوسطة والدنيا ، أوصل بعض الإدارات العامة إلى الموظف القائد أو القائد الموظف وصولا إلى الفردية في العمل دون آية معايير مؤسساتية .
فشل إداري
وبطبيعة الحال فإن وزارة الصناعة بكل اتجاهاتها سواء في الإدارة المركزية أو في الهيئات والشركات التابعة لها لم تكن بعيدة عن هذا الحال الإداري بل أن الفشل الإداري في هذه الوزارة ألقى بظله السلبي على كل مشاريع الإصلاح الصناعي التي حاولت الوزارة ان تسلكها خلال السنوات الأخيرة.
على هذا المستوى كان التناقض الإداري هو الأساسي في عمل وزارة الصناعة ودائما كان الوزير في واد ونائب الوزير في واد آخر إذا أننا شهدنا في وزارة الصناعة السابقة موقع نائب الوزير والذي جاء لمتابعة شأن القطاع الخاص الصناعي لكن سرعان ماجلس في الثلاجة دون أي حراك .
ولم يتغير واقع الحال في الوزارة الحالية لنجد أن نائب الوزير يعمل على مشروع إصلاح القطاع العام الصناعي دون علم أو معرفة الوزير الحالي ،الأمر الذي دفع وزارة المالية إلى عدم تبني مشروع الإصلاح لهذا السبب وأسباب أخرى أضف إلى عدم إشراك «المالية » في إعداد المشروع المذكور.
الشيء ونقيضه
إذا نحن في «الصناعة» وفي غيرها من الوزارات نعيش فردية واضحة في أعمال على مستوى الوطن وبالذات إذا كان مشروعا إصلاح القطاع العام الصناعي مقابل ذلك قد تكون الآية معكوسة في بعض الوزارات الأخرى إذ نجد الوزير يعمل على توقيع الإجازات ومنشغلا بأعمال البريد اليومي. واضعا كل الصلاحيات بيدة.
يقول الدكتور غسان إبراهيم الأستاذ في جامعة دمشق أن العمل الإداري يعيش حالة انعدام المعايير لنجد أن صاحب الرأي الصائب والكفاءة مستبعد عن سابق قصد وإصرار ومقابل ذلك فإن الإداري الفني والكفوء القوي يعمل مع الكفوئين الاأوياء مقابل ذلك فان الضعيف لايعمل إلا مع الضعفاء.
ويعتبر ابراهيم انه في كل المواقع الادارية لانجد انسجامابين المدير ونائبه في الوقت الذي يجب ان تكون صلاحيات كل مفصل اداري واضحة او النائب بطبيعة الحال يجب ان يكون يمر في مرحلة التأهيل والتدريب وصولا الى الموقع الاداري الاعلى.
كما ان موقع الوزير على سبيل المثال يجب ان يكون متفرغا للاعمال الاستراتيجية الكبيرة ويفكر بحلول على مستوى الوطن ويترك الاعمال الادارية الى من هم ادنى منه وصولا للعمل على مبدأ فصل السلطات بين المواقع الادارية ليعمل كل موقع وفق صلاحياته.
لمصلحة فئات محددة
وبرأي ابراهيم فان هذا التشويش يصعب في مصلحة فئات معينة لذلك لاإصلاح إداريا دون إصلاح اقتصادي ولهذا نحن بحاجة إلى إعادة الهيكلة في كل النواحي الاقتصادية والخدمية.
إدا نحن نعيش حالة تناقض إداري لاتكامل الأمر الذي يفرغ الكفاءات الإدارية من طاقاتها ويبعد موضوع الإصلاح الإداري عن دعم التطور والإصلاح الاقتصادي.
مجالس الإدارات مثال
في هذا السياق من ينظر إلى تجربة مجالس الإدارات على سبيل المثال في المؤسسات والشركات العامة سيلمس مدى هشاشة تجربة الاصلاح الاداري اذ نجد ان رئيس مجلس الادارة لاي مؤسسة مسحوب الصلاحيات امام المدير العام الذي يجب ان ينفذ اتجاهات رئيس مجلس الادارة واعضاء المجلس الامر الذي جعل رؤساء تلك المجالس بمثابة ضيوف الشرف على موائد مؤسساتنا العامة .
يقول الدكتور حسين القاضي الاستاذ في جامعة دمشق والذي قدم استقالة من رئاسة مجلس احدى مؤسساتنا الصناعية الكبيرة يقول ان قصة مجالس ادارات المؤسسات العامة لا تعدو ان تكون مسرحية اذ نجد ان اعضاء تلك المجالس عديمة الكفاءة والامكانيات الدنيا من حدود الكفاءة الادارية والفنية المطلوبة.
ولايملكون اي صلاحيات لتقديم اي مبادرات بل مطلوب منهم حماية مصالح فئات معينة دون مصلحة المؤسسة التي يعملون فيها وهذا يناقض جوهر وجود اي مجلس ادارة اذ ان مجلس الادارة في القطاع الخاص هو من يقود اتجاه العمل في المؤسسة وماعلى الادارة التنفيذية الا ترجمة رؤية مجلس الادارة وهذه مجرد جزئية من الاصلاح الاداري الاوسع من ذلك .