الثلاثاء 2020-07-14 08:41:01 بورتريه
الإدارة الفندقية بين النمطين السوري والأمريكي.. تجربة يرويها د. المثنى الصالح..قصة نجاح.. مدير سوري يصبح مديراً في «ماريوت»العالمية

خاص- سيريانديز
شاب سوري، عمل وتدرج في الفنادق الأمريكية ردحاً من الزمن، ثم عاد وتسلم إدارة أكبر الفنادق السورية، شهدت هذه الفنادق تحت الإدارة السورية الجديدة تطوراً ملحوظاً في فترة أزمة وحرب، لتصبح -حسب التصريحات الإعلامية- قبلة الإعلام والحركة السياسة.. ثم عاد –بعد أن ترك بصمته- ليتسلم إدارة أحد فنادق سلسلة ماريوت العالمية في ولاية فلوريدا الأمريكية.
فبعيداً عن الأزمات والأوبئة، وكرؤية للنصف الممتلئ من كأس الإمكانات السورية الواعدة لاستحقاقات الجدارة العالمية، تحدث عبر موقعنا د.مثنى الصالح من أمريكا، يشارك تجربته التي لا يمكن القول عنها إلا أنها قصة نجاح تسطر..
يقول د. الصالح: كنت مدير الهيلتون والشيراتون في أمريكا، وأصبحت مدير عام فندق وقصر المؤتمرات ايبلا ومن ثم فندق الداما روز في سورية، وأخيرا تسلمت إدارة أحد فنادق سلسلة ماريوت العالمية في ولاية فلوريدا الأمريكية.. ووصلت هدفيعبر عدة خطوات لا أخفيها عن أحد.. فقد قمت بوضع هدف منذ عدة سنين، وهو إدارة أحد فنادق السلاسل العالمية كالهلتون أو الماريوت، ووضعت استراتيجية خاصة كخارطة طريق للوصول إلى هدفي.. وبعون الله تم ذلك.

النجاح الكبير.. أن تتفوق على الأقوياء:
لقد عملت على خطين متوازيين يتجهان نحو هدفي.. الخط الأول كان الحصول على الخبرات التي تخص جميع الأقسام داخل الفنادق والتدرج الوظيفي في أقسام الفندق من الأدنى إلى الأعلى.. عامل استقبال. ...سوبرفايزر..مدير إستقبال.. مدير الغرف وهو المسؤول عن الإستقبال والتنظيف والصيانة.. مدير عمليات الفندق وهو المسؤول عن كل الأقسام التنفيذية من استقبال وتنظيف وصيانة وإطعام وسكيوريتي ومقر السيارات وغيرها..
ومن ثم عملت نائب مدير عام، وهنا تم إضافة التسويق والترويج الى مهامي، ومن ثم مدير الفندق، فتمت إضافة إدارة التوظيف والحسابات وبعدها منصب المدير العام المسؤول عن كل أقسام الفندق الداخلية والخارجية والمسؤول المباشر عن الإستراتيجيات البعيدة المدى للفندق والأرباح والعلاقات العامة، وممثل الفندق أمام شركة الماريوت وغيرها من المهام المكلفة من الشركة خارج الفندق أو خارج المدينة من مؤتمرات وغيرها.
أما بالنسبة للخط الثاني فكان عبر تحصين هذه الخبرات بشهادات وبحوث علمية في العلوم السياحية والضيافة بالإضافة الى إدارة الأعمال.
حزت شهادات البكالوريوس والماجستير، وتم تتويجهما -وبحمد الله- بشهادة الدكتوراه من الجامعات الأمريكية إلى جانب التدريس في كليات السياحة.. هذا إضافة الى العشرات من شهادات الخبرة‘ وأهمها شهادة (سي ايتش أي CHA) من الهيئة العليا للفنادق والمنتجعات في أمريكا، والتي تعتبر من أهم شهادات الدكتوراه في مجال السياحة والضيافة.
في الحقيقة الخط الثاني لا يكفي .. فهنا في أمريكا يعطى للخبرات العملية أهمية أكبر من الشهادات العلمية.. والمنافسة في بلد سياحي من الدرجة الأولى مثل أمريكا كبيرة جدا.. والكثير من الأمريكان المحليين يملكون هذه الخبرات.. لذلك أردت أن أدخل  هذه المنافسة وأنا محمل بأقوى أسلحة العمل والعلم لأضاعف فرص الفوز في المسابقات والفحوص التي تقوم بها الشركات الكبيرة. وفعلا هاذا ما حدث لي تماما في مسيرتي السياحية..

مفارقة الإدارة الفندقية بين سورية وأمريكا:
يوجد في سورية فنادق ومنتجعات جميلة جدا كالداما روز والشيراتون والفورسيزن ولا سيما فندق ومنتجع ايبلا ذو ال 440 غرفة، وقاعات المؤتمرات وملاعب غولف وقواعد ومصفات مخصصة لهبوط طائرات الهيلوكوبتر وغيرها من الأبنية المجهزة للأعراس في هذا الفندق.
وأيضا الفنادق الأثرية المتواجدة في عدة مدن مثل فندق جوليا دومنا وغيرها...فهذه الفنادق قد تضاهي الكثير من الفنادق حول العالم من ناحية الأهمية والهيكل والبنية التحتية.
و لكن مهما كانت هذه المنشآت السياحية جميلة، فهي بحاجة الى مدراء ذوي خبرات عالمية لإدارتها، بحيث يكونوا قادرين على وضع خطط واستراتيجيات تتماشى مع حجم هذه الفنادق، لاستقطاب أكبر عدد ممكن من النزلاء والسياح السوريين قبل الأجانب.
هذا إضافة الى أن الدولة يجب أن تتحمل مسؤولية تأمين وتجهيز بيئة وبنية تحتية مثالية تحيط بهذه المنشات، لتكتمل الدائرة التي تسمى (دائرة السائح Tourist Cyle).. هذه الدائرة التي تبدأ من المطار وخدمات المطار الى الطرقات التي يسلكها السائح و المواصلات السياحية المجهزة والمرفهة والتي يقودها سائقون يتكلمون لغات عدة، ثم الى الفنادق الجميلة التي تبدأ فيها ( دائرة الضيف Guest Cycle ) وهكذا حتى يعود السائح الى المطار للمغادرة...
لن اتطرق كثيرا على تفاصيل (دائرة السائح) أو (دائرة الضيف) الآن فهذا يحتاج لشرح مطول... خصوصا إذا تطرقنا إلى كيفية مساهمة هاتين الدائرتين مع مجموعة عوامل أخرى بصناعة (The Brand) أو وضع ماركة عالمية لسورية (Branding the Country) فكما أن هناك براند للكثير من الفنادق والأسواق والمطاعم والأشياء الثمينة في العالم، فلا بد أن نعمل على وضع براند لسورية وهو البراند السياحي.. ونعمل جاهدين كقطاعات عامة وخاصة على ترسيخ أيدولوجية هذا البراند في ذهن أي شخص أو شركة أو حتى دول.. وهذا الموضوع يحتاج لوقت أطول للشرح مستقبلاً.

الفروقات بين سورية وأمريكا:
بالنسبة  للفروقات الإدارية في المنشأت السياحية بين سورية وأمريكا فهي كثيرة جدا، ولكن للاختصا.. سنقتصر على ثلاثة فروقات فقط وهي: التسويق والترويج، التوظيف، والأسلوب الإداري المتبع.

التسويق والترويج:
المشأت السياحية في أمريكا تخصص ميزانية كبيرة لا تقل عن 15% من إجمالي الدخل السنوي للتسويق والترويج .. في سورية النسبة ضئيلة جدا لا تتجاوز ال 3%.
لا بد لنا في سورية أن نؤمن بأن التسويق والترويج هما أهم العوامل الأساسية التي تساهم بشكل مباشر في استقطاب السياح والضيوف إلى منشآتها السياحية ... فحتى الشركات العملاقة كدزني والماريوت والهلتون وستارباكس لم تزل تعمل على أستمرارية الدعاية والترويج وتخصيص ملايين الدولارات سنويا لهذا الغرض، بالرغم أن البعض يظن أنها ليست بحاجة إلى أي ترويج لأن سمعتها وانتشارها العالمي كافيان لضمان إستمرارية نجاحها.

التوظيف:
طريقة تعيين المدراء وأصحاب القرار في المنشأت السياحية في الدول الغربية تعتمد على الخبرات العملية والمؤهلات العلمية ولا سيما في أمريكا. فقيادة أي سفينة مهما كان حجمها تحتاج الى قبطان ماهر يتمتع بخبرات القيادة ويعرف جيدا الإحداثيات التي يجب اتباعها في حال تعرضت للغرق.
في المنشآت السياحية في أمريكا يخضع المدير لمقابلات وإمتحانات عديدة ومتنوعة قبل التعيين ...و هنا سأعطي مثال من تجربتي الشخصية عندما قمت بتقديم طلب للتوظيف لمنصب المدير العام في احد فنادق  Hilton.
المرحلة الأولى:
تم تقديم المئات من الطلبات عبر الشبكة الخاصة للشركة كان طلبي أحدهم
المرحلة الثانية:
تمت فلترة هذه الطلبات الى 30 طلب متخذين عدد سنين الخبرة والمناصب السابقة وغيرها بعين الإعتبار,  وتم الإتصال معنا من قبل رئيس التوظيف المختص بهذا المجال لإجراء مقابلات هاتفية لمدة ساعتين لكل شخص. في هذه المقابلة. تم طرح اسئلة مستخلصة من السيرة الذاتية لكل شخص وبعض الأسئلة العامة المجهزة مسبقا من قبل هذا المدير.. وعلى أساس نتائج هذه المقابلات تم اختصار العدد من 30 الى 10 اشخاص.
المرحلة الثالثة:
تم إخضاعنا لفحوصات أتمتة وحسابات فندقية دقيقة عبر شبكة الشركة.. الفحص كان دقيقا جدا تم التركيز فيه على الحسابات الفندقية أكثر من أي شيئ اخر عن طريق طرح معادلات وأرقام تخص قسم المحاسبة وقسم المبيعات
المرحلة الرابعة:
تم اختيار  5 أشخاص فقط بحسب نتائج العلامات لإجراء مقابلة على السكايب مع شخص يحمل دكتوراة بالعلوم النفسية السايكالوجي كلا على حدا. كانت الأسئلة قصيرة جدا عبارة عن عدة كلمات ولكن تتطلب أجوبة مفتوحة وطويلة... على سبيل المثال.. " احكيلي عن حالك" و"أقنعني لماذا سنختارك انت من بين المئات من المتقدمين" وكان الهدف الحقيقي لهذه الأسئلة لا يتعلق بشكل مباشر بمضمون الجواب وإنما بدراسة طريقة الكلام والحركات والنظرات والأسلوب أثناء الإجابة.. لقراءة ملامح هذا الشخص فيما إدا كان متشنجا أو متلبكا وخائفا أم أنه واثق من نفسه وريلاكس.. فهي مقابلة لدراسة الحالة النفسية للشخص بالدرجة الأولى.
المرحلة الخامسة:
تم انتقاء 3 أشخاص فقط من مقابلة علم النفس وتم  مقابلتهم مع لجنة إدارية مختصة يترأسها المدير الإقليمي للشركة. تم اللقاء في أحد فنادق الشركة واستمرلمدة ثلاث ساعات ونصف مع استراحة صغيرة في المنتصف..يتم في هذا اللقاء ( قلي وتقليز ) الشخص  من خلال طرح كم هائل من الأسئلة من قبل أعضاء اللجنة المحاطين بالشخص. تهدف معظم هذه الأسئلة الى معرفة (الأسلوب الإداري) الذي سيتم اتباعه من قبل المدير في حال تم قبوله وتعيينه ... وهذا كان من أهم أولويات الشركة..
فالشركة لا تبحث فقط عن مدير ذي خبرات طويلة وشهادات علمية, فهذا الشيء من البديهيات عندهم..و إنما يبحثون أيضا عن مدير قوي ولكن ليس أناني او استبدادي ..مدير يتكلم بلغة ال (نحن) وليس ال (الأنا) .. بلغة فريق العمل وليس بلغة الفرد.. مدير ديمقراطي يشارك موظفيه بالقرارت قبل إصدارها بل يستنبض قراراته منهم , مدير صاحب استراتيجيات وقادر على أن يضع خطط بعيدة المدى , مدير قادر على ان يوفر بيئة عمل صحية وصالحة , مدير قادر على تأهيل وتطوير موظفيه وتحضيرهم إلى مستقبل أفضل, مدير يستطيع ضبط النفس واتخاذ قرارات جريئة عند الضرورة وعند الأزمات. مديرقوي قادر على التغيير والتطوير. فبشكل عام, هذه المقابلة تعطي الشركة لمحة عن الأسلوب الإداري الذي سيتبعه هذا المدير في حال تم تعيينه.
المرحلة السادسة والأخيرة
هي مرحلة اختيار شخص واحد من بين هؤلاء لإدارة المنشأة السياحية..و في هذه المرحلة يتم تعيين المدير بشكل رسمي وأيضا يتم تذكيره أن الشركة ستقوم بتقييم عمله بعد 90 يوم من بدء الوظيفة ومن ثم كل عام بعد ذلك للتأكد من أنه الشخص المناسب لهذا المنصب أو ليتم استبداله.
أما بالنسبة للآليات المتبعة لتعيين مدراء المنشات السياحية في سورية فلم تصل حتى الى المستوى المطلوب, وانما ما زالت تعتمد على أسس خشبية تقليدية قديمة لا تعتمد في معظم الأوقات على الإختصاص والمهنية وإنما على العلاقات والمعارف والمحسوبيات.

الأسلوب الإداري المتبع:
معظم مدراء الفنادق والمنشآت السياحية في سورية يتبعون نفس الإسلوب الإداري المتبع في المؤسسات الحكومية وهو أسلوب ذو اتجاه . واحد فقط يسمى Directive Management Style.
فالمدير يصدر الأوامر والقرارات وعلى الجميع أن ينفذ من دون أي حوار حقيقي أو حتى مناقشة القرار. قد يكون هذا الاسلوب ناجحا في بعض المؤسسات الحكومية ليس فقط في سورية وأنما في بلدان أخرى حول العالم.. لكن في الفنادق والمشآت السياحية, فإن متطلبات العمل اليوم قد تغيرت وأصبحت بحاجة إلى أسس جديدة قادرة على تلبية حاجات السائح والنزيل من جهة وأيضا الموظف والعامل من جهة إخرى من خلال استخدام أساليب إدارية جيدة تضمن نجاح العمل.
فبالإضافة إلى الأسلوب الإداري (Directive)  يوجد العديد م الأساليب الإدارية الإخرة المتبعة عالميا مثل (Affiliative) الذي يعتمد أسلوب تعزيز العمل الجماعي ويعتمد بشكل كبير على التحفيز. وأيضا أسلوب العمل الديمقراطي الذي يسمى (Participative) الذي يشجع اتخاذ القرارات بعد مشاركتها مع الموظفين وأخذ آرائهم. أما أسلوب ( Pacesetting) يعتمد المدير فيه على نفسه وعلى خبراته بالقيام بمعظم المهام شخصيا لعدم ثقته بقدرات موظفيه على إتمام العمل بالشكل الصحيح. , أسلوب (Coaching) الذي تكون أولويات المدير فيه هي تدريب وتأهيل الموظفين للإرتقاء بهم الى مستوى أعلى.  كما ويوجد هنالك أساليب أخرى.
اليوم لا يستطيع المدير الناجح اعتماد أسلوب (Directive) وحده كما يحدث في سورية. وأيضا لا يستطيع اعتماد الأسلوب الديمقراطي (Participative) وحده كما يحدث في بعض المشآت لضمان نجاح العمل, وإنما على المدير الناجح أن يمتلك القدرة على الجمع بين مختلف الأساليب الإدارية وحسن استخدامها  في العمل بحسب الحالة , والأشخاص وطبيعة العمل, وغيرها من العوامل التي يتطلبها نجاح هذه المنشأة وازدهارها.
  فعلى سبيل المثال لا يستطيع المدير اعتماد الأسلوب الديمقراطي عن الطوارئ. فعند نشوب حريق لن يكون هناك وقت كافي للإجتماع وأخذ الآراء والنقاش, بالعكس تمامأ, هنا يجب على المدير اتباع إسلوب ال (Directive) فيصدر الأوامر الفورية ويوزع المهام بقوة حتى يتم السيطرة على الحريق بشكل كامل.
الشركات العالمية الموجودة في الغرب وأمريكا اليوم تقوم بتعيين المدير القادر على استخدام أساليب إدارية متنوعة وليس اسلوب إداري واحد فقط كما يحدث في معظم الأحيان في سورية.
و لكي نرتقي بالعمل السياحي إلى مستوى يليق ببلدنا التاريخي السياحي الجميل, لا بد لنا من أن نبدأ وبشكل فوري بالتدريب والتأهيل إما من خلال إرسال المئات من المدراء للقيام بدورات خارجية لدراسة علم السياحة والضيافية والعمل في الفنادق العالمية الناجحة, أو من خلال استقطاب الخبرات من الخارج لتبدأ فورا بالتدريب والتعليم في فنادقنا وفي جامعاتنا السياحية.

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024