الجمعة 2019-11-15 23:00:42 تحقيقات
تصميمُ الأزياءِ في سورية .. معاناةٌ وإشكالياتٌ عنوانها السرقة من الخارج وإهمال للداخل!! المصممةُ العالميةُعجاج: طموحٌ بلا حدود وشغفٌ مستمرٌ لإبداعِ أجمل التصميم ببصمةٍ سورية

• المصممةُ سويدان: اسم من ذهب لم تبخل بإعطاء خبرتها لطلابها المميزين
• الزيات: يجب على الحكومة أن تقفَ بجانب الصناعيين وتساندهم ، فالدعم المادي مفقودٌ مفقود!!
• عملياتُ التصدير متواضعةٌ ، وهناكَ دولٌ أُخذت محل سورية واستقطبت جميع الزبائن !
• تقصيرُ الجهات المختصة التي لا تعطي الفرصة لمن يستحق الإدارة والقادر على اتخاذ القرارات الجريئة!

بورصات وأسواق – آية قحف
عرفت سورية منذ سابق الأزمان بشهرتها بما تقدمه من بديع الصناعة النسيجية التي كانت تُصدّر للعديد من دول العالم ، ولمن لا يعلم تاريخ القطاع النسيجي السوري، نعلمه بأن فستان زفاف الملكة إليزابيث صنع من البروكار السوري ، ولكن الحرب أرخت بظلالها على كل مفصلٍ في الساحة السورية ،ومع ذلك لا يمكن أن نجعل الحرب هي الشماعة لكل ما يحصل من تراجع في بعض القطاعات فهناك أناسٌ في الداخل أفسدوا تاريخ الصناعة السورية  ، فأصبحت معاملنا تسرق التصاميم من الخارج من دون التفكير بتطوير أدواتهم داخلياً ، فمثلاً لنسأل الإدارات القائمة سواءً في المعامل أم في الجامعات أم المعاهد النسوية سؤالاً محوره لِما لا نفكر بتغيير الرؤية والتعامل مع مجال تصميم الأزياء كفرعٍ دراسيٍّ مستقل سواءً في الجامعة أو المعاهد الخاصة، والعمل على تخريج كوادرٍ وطنيةٍ وتدريبها من أجل خلق الفرق بالتصاميم المقدمة محلياً وليّخف اعتماد المعامل على مصممي الخارج وما هو منشور عبر الانترنت .
وللإضاءة على واقع صناعة الملابس وضعف التصاميم الموجودة والعراقيل التي تعترض الصناعيين  أعدت "بورصات وأسواق" هذا الملف مع المصممة العالمية منال عجاج ، والمصممة منال سويدان ، وخازن غرفة صناعة دمشق وريفها الصناعي ماهر الزيات .

بحرٌ لا نهايةَ له
بدايةً أوضحت المصممة العالمية الرائعة "عجاج"أن وصولها لما هي عليه من شهرة هو نتيجةً لرحلةٍ متعبةٍ وشاقة لا تقل عن عشرين عاماً وسط أحلك الظروف ، وأن ذلك خلق بداخلها أهدافاً تسعى إلى تحقيقها في عالمها المهني، مشيرةً بأن مجال تصميم الأزياء أشبه بالبحر أي لا نهاية له ، لذلك طموحها مطلق بلا حدود وشغفها مستمر بإبداع أجمل التصاميم لشعورها بالمسؤولية تجاه بلدها سورية كونها تسعى لوضع بصمةخاصة بالهوية الوطنية السورية في أسواق العالم العربي والغربي لتعيد الاعتبار لهذه الصناعة الوطنية وتصحح ما أفسده اتحاد المصدرين السوري " الذي حلّ منذ فترة " من حيث علاقة الأسواق الخارجية بالبضاعة السورية .

الإداراتُ الخاطئةُ أنهكت تصميمَ الأزياء
وبرأي المصممة العالمية "عجاج" أن سبب ضعف تصميم الأزياء في سورية مرتبط بعدة أسباب في مقدمتها: تقصير الجهات المختصة التي لا تعطي الفرصة لمن يستحق الإدارة والقادر على اتخاذ القرارات الجريئة وتعديل ما تعتبره بنظرها كارثياً، مثل ضرورة الاعتراف بخريجي معاهد تصميم الأزياء المعترف بها والمرخصة ، والاستعانة بكادرٍ تدريسيٍّ حقيقي مهني وأكاديمي ، وسخرت من عدم وجود قانونٍ يُشرع للخريجين إصدار رخص لممارسة النشاط ، أي لا يوجد نشاطٌ تجاريُّ تحت اسم / تصميم الأزياء / .

الرؤيةُ السليمةُ الواجبُ إتباعها
ولأجلِبناء أرضية سليمة للتصميم وصناعة الملابس دعت "عجاج"لخلق معاهد حقيقية معتمدة على الكفاءات العالية علمياً ومهنياً ، والاستعانة بخبراءٍمن خارج الوطن " إن لزم الأمر " ، ويبقى الأهمبرأيها هو المتابعة للطلبة بعد التخرج وربطهم بجميع المنشآت الصناعية كي يتم الاستفادة من تلك الأيدي العاملة بالطريقة الصحيحة ، وشدّدت على ضرورة إيقاف إدارة التجار للأسواق ووضع من هو معني بالإدارة  لرفع مستوى السوق السوري والعمل على عودة المنتجات المحلية إلى أسواق الخارج، مع التأكيد على إعادة النظر بآلية عمل غرف الصناعة والتجارة الحالية لأن الأمراض في سورية تتفشى في جميع القطاعات وليس الآن الوقت المناسب لمحاربة الأخطاء فسورية أُنهكت من جراء أزمة استمرت ثمان سنوات .

شغفي أن أمنحَ ما أملكُ
وعند سؤال "عجاج" عن فكرة إقامة مصنعٍ في سورية ، أشارت بأن ذلك حلم وشغف بالنسبة لها وستعمل على تحقيقه وتجهيزه بأعلى التقنيات لتدرب العاملين  به على الوصول إلى أرقى المستويات وتعطيهم جل ما تملك من خبرة لأنها تؤمن بأن سورية ولاّدة للمبدعين ويجب العمل على صقل مواهبهم ودعمهم وخلق فرص جديدة لهم وزجهم بسوق العمل لأنهم قادة المستقبل .
الثقةُ لا زالت موجودة
ولفتت عجاج إلى أنها لا تزال تثق ثقة مطلقة بالأقمشة السورية ، ولديها النية للتعامل مع مصانع سورية لتطبيق تصاميمها ، ولكنّ نيتها الأكبر هي إقامة مصنعها النموذجي الحامل للمقاييس العالمية والذي سيكون إنتاجه يضاهي المنتج الخارجي فهي–حسب قولها -  تمتلك كل أسرار نجاحه ، مكررة بأن من لا يفقه بإدارة لعبة الصناعة النسيجية يجب أن يعطي الفرصة لمن يستحقها حتى لا تنضب القوة المتبقية لدى سورية في هذا المجال .

عززوا ثقافة دعم ابن البلد
ووجهت "عجاج" رسالةً إلى الشعب السوري وبالأخص الطبقة المخملية بأهمية دعم المصممين السوريين لأنهم يستحقون تشجيعهم ، فمن جعل إيلي صعب وزهير مراد أسماءً عالمية هم أبناء وطنهم الذين همشوا المصممين العالميين وتعاملوا معهم لإيمانهم بأن القدرات الموجودة تستحق الدعم المعنوي والمادي ، فالمضحك بأن أي مصمم يقدم هدية لأي شخص يكون مبدعاً بنطره وإياك والمطالبة بأتعابك وإلا سيتم التوجه إلى العاصمة بيروت للتباهي بشراء تصميم من مصمم لبناني ، مشيرةً بأنه عندما تصبح ثقافة الشعب مرتبطة بشعار دعم ابن البلد والمواهب الموجودة ستصبح سورية بلداً يُصدر أسماء تستحق العالمية .
ودعت"عجاج"القائمين على الاقتصاد السوري بضرورة منع استيراد الألبسة الجاهزة  ومحاسبة حيتان المنشآت الصناعية ، فالبضائع المستوردة غزت الأسواق تحت اسم منتج وطني ، مستنكرةً السماح باستيراد تلك الحاويات وتشغيل جزء بسيط من منشآتهم كغطاءٍ ليتم طرح المستورد على أنه وطني الصنع ، وطالبت بضرورة تفعيل دور الجهات الرقابية، فقطاع النسيج قادرٌ على أحياء اقتصاد الأوطان .
اسمٌ من ذهب
أما المصممة الشابة منال سويدان التي بنت اسماً من ذهب في عالم الأزياء  ضمن فترةٍ وجيزةٍ بيّنت بأنها تتابع الموضة باستمرار لتنتج ما يتلاءم معها وتطمح للتعلم دائماً واكتساب الخبرات لأن مجال تصميم الأزياء لا يتوقف عند حدٍّ معينٍ .
وأكدت سويدان بأن مجال التصميم في سورية ضعيفٌ جداً نظراً للحاجات المعيشية الأهم لدى أفراد المجتمع ، والضعف الاقتصادي الذي تسببت به الأزمة ما أدى لتراجع الاهتمام بهذا المجال ، موضحةً أن الحرب ليست وحدها السبب فسورية لا تمتلك معاهدً خاصةً ببصمةٍ وطنية ، فالموجود هو مركز الاس مود الفرنسي الحامل لبصماتٍ أجنبية ، لذلك يتوجب توجيه الأنظار إلى إحداث ما هو " سوريٌّ بحت " لتخريج مصممين بسويةٍ عاليةٍ قادرين على إنتاج ما يتناسب مع مجتمعاتنا على عكس المعاهد الأجنبية التي تدرس ما لا يتلاءم مع خصوصية مجتمعاتنا العربية .

السوقُ الداخليُّ يحتقرُ الإبداع!
وأشارت صاحبة الاسم الذهبي إلى أن معامل الداخل تعتمد على التصاميم الأجنبية وتعمل على تطبيقها ، معبرةً عن سخطها بسبب قلة  المعامل التي تطلب المصممين  ، فإذا كان المعمل بسويةٍ عاليةٍ جداً يلجأ إلى مصممٍ خاصٍ فيه لإنتاج رسماتٍ وقصاتٍ جديدة ، وغير ذلك كل الاعتماد على قصات الخارج التي لا تخرج في نهاية المطاف بنفس الجودة بسبب الاختلاف فينوعية الأقمشة والمواد الأولية ،  وهذا ما سمّته باحتقارٍ للإبداع فالمصمم صاحب الموهبة إذا لم يجد من يتبناه سيبحث عن فرصة في الخارج حيث الاحترام للمواهب لأن الغالبية العظمى غير قادرة على افتتاح مشروعها الخاص لذلك تبحث عما تيسر لها لتشق طريقها .

أحرصُ على تقديمِ خبرتي لمن يحتاجها
أما عن مجال التدريب ، فلفتت سويدان بأنها درّبت سابقاً وأحبّت التجربة لذلك ستعيد الكرة قريباً وتتعمق بالمحاور المعطاة لتكسب طلابها خبرةً عمليةً يستثمرونها على أرض الواقع ،  مبينةً بأن التصميم هو علمٌ وفنٌ في آن معاً ، ودورها هو استخراج المواهب والقدرات الكامنة لدى الطلبة لتصقلها لهم .

أفضّل العملُ بشكلٍ إفراديٍّ
وأكدت بأنها لا تلغي فكرة التعامل مع المصانع المحلية لتطبيق تصاميمها لكنها تفضل العمل بشكلٍ  مستقل حتى لا تكونَ مقيدةً بالأقمشة والألوان والخيوط  وتتمتع بالحرية المطلقة لتطلق خيالها في إبداع أفضل التصاميم  ، لافتةً بأنها تثقُ بالخيوط والأٌقمشة في سورية لكنها تنتقدُ عدم استخدام النخب الأول في التصنيع ، وبخصوص أقمشة الثياب الثقيلة فغالباً تكون مستوردة وإن وجدت محلياً فسعرها مرتفعٌ جداً.

داخلُ ملاكِ القطاعِ النسيجي
لم تتوقف "بورصات وأسواق" عند حدودِ آراء المصممتين فقط ، فكان من الضروري معرفة رأيٍّ معنيٍّ بالأمر من داخل ملاك القطاع فأجرتلقاءً مع خازن غرفة صناعة دمشق وريفها الصناعي ماهر الزيات، وعند سؤاله عن ضعف عمل مصممي الأزياء محلياً بيّن بأن جميع المعامل لديها قسمٌ خاصٌ بالتصميم ولكن فاعليته تختلف من معمل لآخر ،  فمعامل الألبسة الولادية ذات الانتاج الكبير مثلاُ تعتمد على المصممين بالدرجة الأولى فهناك معامل تطلق ما يقارب 700 موديل سنوياً ، وأخرى تتعامل مع أخصائيين من الخارج لتتميز عن غيرها ، ولكن بمنظوره المعمل ذات الإنتاج الضعيف من الطبيعي ألا يهتم بجلب مصممين خاصين به ، فكلما زاد الانتاج زاد الاهتمام بهذا المنحى من أجل العمل على إبداع ما يتناسب مع احتياجات السوق والعمل على تلبيتها  .

أينَ الدعمُ المقدمُ للصناعيين ؟!
وأشار الزيات بأن عدداً لا بأس به من المعامل عاد إلى الخدمة ، ولكن يجب على الحكومة أن تقف بجانب الصناعيين وتساندهم ، فالدعم المادي مفقود ولا يوجد من يشرع بتقديمه ، لذلك عودتهم للإنتاج بشكلٍ طبيعي ستستغرق وقتاً أكثر، فالبنى التحتية متضررة بالكامل ، ومنه فالقطاع النسيجي بحاجةٍ إلى " إعادة إعمار " ، فلا يمكن القول بأنه يشهد نهضة في الوقت الحالي ومن يقول أنه استعاد ألقهُ فهو يواسي نفسه ، لافتاً إلى أن الصناعيين صنعوا المعجزات وحاربوا لفتح معاملهم من جديد للعودة إلى السوق  ومن دون أيةِ تسهيلاتٍ حقيقية لهم.

الواقعُ الحاليُ لا يبشرُ بالخير
وبيّن الزيات أن القطاع النسيجي بحاجةٍ لوقتٍ طويلٍ ليقلع من جديد ، فالمنافذ الحدودية مغلقةً أمام البضائع السورية ومثال ذلك " مصر والأردن " ، اللتين منعتا دخول المنتجات الوطنية السورية إلى أراضيهما ، ولم يتوقف الأمر هنا فعمليات التصدير أيضاً متواضعة وبسيطة ، مشيراً بأن تركيا حلّت محل سورية واستقطبت جميع الزبائن التي تعاملت معهم البلاد سابقاً.
ويبقى الأمل الذي لم ينقطع رغم كل الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد السوري ،  فالسوق العراقي مفتوحٌ أمامهم وفرصةٌ جيدةٌ لإثبات جودة المنتج السوري خارجياً ، والمعارض التي أجريت مؤخراً أعطت الصناعة السورية بصيص أملٍ للعودة إلى ألقها السابق .

 

ٍ جميع الحقوق محفوظة لموقع syriandays - syrianews - سيريانديز- أخبار سورية © 2024